الجمعة، 28 نوفمبر 2008

الرئيس المسخرة "أعوذ بالله"

الرئيس المسخرة "أعوذ بالله" د. إبراهيم حمّامي
بداية لابد من التأكيد أنني شخصياً لا اعترف بعباس رئيساً، فهو رئيس لسلطة محصورة في الضفة والقطاع بعد انتخابات شابتها الشوائب وصوت له فيها ثلث من يحق لهم التصويت بعد أن مدد ساعات الانتخابات وبالبطاقة الشخصية، وبالتالي تنحصر سلطاته ان كان له سلطات على ثلث الثلث من الشعب الفلسطيني الذي يسكن الضفة والقطاع، وان كان من مدعٍ بأنه رئيس الشعب الفلسطيني بصفته رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية فقد سبق وأوضحنا أنها منظمة فاقدة لكل شرعية وقانونية ولا يوجد مخلوق يجبرنا أن نعترف بها بشكلها الحالي، أما المنصب الأخير الذي أعلنه عبّاس " رئيس دولة فلسطين " فعليه أن يبحث عن شعب وهمي لدولة وهمية أعلنها سلفه. في اطار بحث عبّاس هذا عن شرعية لتثبيته بعد أن فقد كل شرعية أو كاد، جمع بعضاً من دناديشه في مهرجان آخر لينصبوه رئيساً لدولة فلسطين، الدولة التي كتبها محمود درويش في بيان استعراضي فصفق له عرفات ومن معه، اعلان خلاصته الاعتراف ب "اسرائيل" وبالقرارات التي رفضتها القوى الفلسطينية لعقدين من الزمن، مقابل لا دولة فلسطينية، على قاعدة سياسة "لعم" العرفاتية، بلا حدود ولا جغرافية واضحة، وبدون شعب ومواطنين، دولة في الهواء من صنيعة الغباء السياسي، لكنهم فرحوا باعتراف الدول بها، وفرحوا بتغيير اسم مكتب منظمة التحرير الفلسطينية إلى سفارة دولة فلسطين، وكان الانتصار التاريخي برأيهم، خدعهم العالم بعد أن خدعوا أنفسهم، وساقهم إلى مدريد ومن ثم أوسلو، ليدوروا في دوامة لا تنتهي من الوعود والمفاوضات العبثية. المهم أن المنصب الوهمي الجديد لعبّاس يتوافق تماماً معه، فهو يعيش على أوهام المفاوضات، وأوهام أنه الزعيم الذي لا يشق له غبار، وأوهام أنه الشرعية الوحيدة، ويبدو أن نشوة وسكرة المنصب الوهمي الجديد جعلته يهذي، أو لنقل يعود إلى طبيعته التي تليق بمثله، ليتحول إلى مسخرة رسمية وأمام عدسات الكاميرات بالصوت والصورة ليتلفظ بكلمات وعبارات "شوارعية" وبأسلوب مبتذل رخيص، من الدعوة للجلوس في الحضن، إلى الحلف بالطلاق، إلى سيل الأكاذيب المعتاد، والضحك الهستيري الرخيص، وبطبيعة الحال سينكر المنكرون ذلك، لكن تسجيل هذه المهزلة موجود وموثق، وهي بالمناسبة ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، فمثل هذا الخلق الوضيع ينطبق عليه المثل: الطبع يغلب التطبع. ذكرني عبّاس هذا وهو يهرج ويستظرف فرحاً بمنصبه الجديد بقصتين، فيهما من التطابق مع حالنا وحاله الكثير، فهو الذي يعترف أنه لا يستطيع اخراج شخص واحد من الضفة الغربية لأن الأمر بيد المحتل، لكنه يفرح لمنصب وهمي ولقب هلامي، يذكرنا بحال ملوك الطوائف في الاندلس، حيث قام ملوك الطوائف في الأندلس بتلقيب أنفسهم بشتى الألقاب ذات الصبغتين الدينية والملكية، وذلك ليحيطوا أنفسهم بأسمى درجات الفخر والعظمة والأبهة وجلال القدر والمكانة، ولكي يرسخوا في نفوس العامة مشاعر الهيبة والوجل عند سماع أسماء ملوكهم، ورغم أن بعض من هؤلاء الملوك لم يكونوا يملكون سوى عدد قليل من الحصون والقلاع، إلا أنها من الواضح كانت كافية ليسبغوا على أنفسهم ألقابًا عظيمة مثل المعتضد بالله، والمعتمد على الله، والمستعين، والمقتدر، والمتوكل وغيرها من الأسماء والألقاب التي لم تكن في الحقيقة سوى اسمًا على غير مسمى، واسمحوا لي بأن استفيض لنقارن هنا بين عبّاس هذا وملوك الطوائف. عندما تولى عبدالرحمن الثالث مقاليد الإمارة، اتخذ لنفسه لقب الخلافة وذلك في العام 316هـ، مُضاهيًا في ذلك الخلفاء العباسيين،ولم يكن أحد من أسلافه قد قام بهذا الأمر،كما لقب نفسه بـالناصر وهو بلا شك أهلٌ لذلك، إذ كان حازمًا في ملكه،انصاع لأمره القاصي والداني،كما أنه يُعتبر من أفضل أمراء بني أمية الذين تولوا أمر الأندلس بعد جده عبدالرحمن الداخل، ومن بعده أتى ابنه الحكم الثاني الذي تلقب بـالمستنصر بالله، وقد كان على نهج أبيه من حيث قوة وصلابة الحكم، والقرب من العلماء ، ولقد عُرف بشخصيته العلمية وحبه الشديد للقراءة واقتناء الكتب والمراجع النادرة، والبحث عنها في كل مكان. أتى بعد ذلك خلفاء ضعفاء لا يستحقون حتى مجرد تبؤ منصب الإمارة فضلاً عن اتخاذ جملة من الألقاب التي لم تناسب شخوصهم، إذ لم يكونوا سوى ألعوبة بيد نساء القصر أو الحجّاب أو الوزراء، ناهيك عن انهماكهم في الملذات والشهوات، وابتعادهم عن شؤون الحكم، وتسيير أمور الرعية،ومن هؤلاء الخلفاء محمد بن هشام لقبه المهدي، ثم سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبدالرحمن الناصر ولقبه المستعين بالله، وسار بنو أمية على هذا المنوال إلى أن سقطت إمارتهم في عام 422هـ،الموافق1031م، في عهد الخليفة هشام الثالث الذي لقب بـالمعتد بالله. ومع ظهور عهد ملوك الطوائف، سار هؤلاء الملوك على نهج أمرائهم وملوكهم الأمويين من حيث اتخاذ الألقاب والأسماء التشريفية، ولعل ابرز ما يدل على هوس هؤلاء الملوك باتخاذ الألقاب ما قاله الملك الإسباني ألفونسو السادس متحدثًا إلى سفير....المعتمد بن عبّاد ملك اشبيليا، قال ألفونسو السادس: كيف اترك قومًا مجانين، تَسمَّى كل واحدٍ منهم بأسماء خلفائهم وملوكهم وأمرائهم،المعتضد والمعتمد ، والمعتصم والمتوكل، والمستعين والمقتدر، والأمين والمأمون، وكل واحد منهم لا يسل في الذب عن نفسه سيفًا ولا يرفع عن رعيته ضيمًا ولا حيفًا، وقد أظهروا الفسوق والعصيان ،واعتكفوا على المغاني والعيدان،وكيف يُحِل البشر أن يُقروا منهم على رعيته أحدًا وأن يدعها بين أيديهم سُدًا. لم يتورع هؤلاء الملوك عن مقاتلة بعضهم بعض، بل إنهم لم يجدوا حرج في أن يعقدوا صفقات واتفاقيات مذلة مع العدو الصليبي الإسباني في سبيل القضاء على ممالك أخوانهم المسلمين وذلك طمعًا في الحصول على أكبر قدر ممكن من المدن والقلاع والحصون كي تنضوي تحت راياتهم، وتناسوا وهم في غمرة صراعاتهم أنه يوجد عدو يتربص بهم، ويسعى للنيل منهم وتدميرهم، لقد فعل هؤلاء الملوك الكثير من الجرائم التي لم تستطع ألقابهم -التي لقبوا بها أنفسهم- أن تزيلها أو على الأقل تزينها في نظر العامة والخاصة. اليوم لا يختلف عبّاس عن هذا الحال، ولا عن وصف ألفونسو السادس، ولا عن قول الشاعر الأندلسي ابن أبي شرف متحسرًا على حال بلاده في عهد ملوك الطوائف: وممـا يزهدني فـي ارض أندلـس أسمـاء معتمـد فيهـا و معتـضد ألقاب مملكـة فـي غير موضعـها كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد أما القصة الثانية فهي من النوادر التي تحكى عن جحا: حيث سأله تيمورلنك يوماً قائلاً: تعلم يا جحا إن خلفاء بني العباس كان لكل منهم لقب إختص به فمنهم الموفق بالله و المتوكل على الله والمعتصم بالله وما شابه ، فلو كنت انا منهم فما هو اللقب الذي يناسبني؟ فأجابه جحا على الفور "أعوذ بالله"! هذا هو عبّاس صاحب الألقاب العظيمة والمكانة الرفيعة، الرئيس المسخرة: رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين، القائد الأعلى للقوات المسلحة الفلسطينية، القائد العام لحركة فتح ............. الرئيس "أعوذ بالله"! د. إبراهيم حمّامي DrHamami@Hotmail.com 27/11/2008