الأربعاء، 4 مارس 2009

قطر قادرة على إنهاء الخلافات العربية في قمّة الدوحة

قطر قادرة على إنهاء الخلافات العربية في قمّة الدوحة

إبراهيم الدراوي الخبير في الشأن الفلسطيني:

يعدّ إبراهيم الدراوي من أبرز خبراء الشأن الفلسطيني في الفترة الأخيرة، ليس لقدرته على قراءة الأحداث فحسب، بل لاطّلاعه على كثير من التفاصيل والمعلومات التي تحيط بالساحة الفلسطينية. وفي هذا الحوار تحدّث الدراوي لـ«المشاهد السياسي» عن فرص نجاح الحوار الوطني الفلسطيني، والخلافات العربية ـ العربية، وجهود التهدئة وأزمة شاليط، مؤكّداً قدرة قطر على إنهاء الخلافات العربية ـ العربية في قمّة الدوحة المقبلة، وهذا نص الحوار:

«المشاهد السياسي» ـ القاهرة

> كيف ترى الى الأجواء العامّة التي دعت فيها مصر الأطراف الفلسطينية الى الاجتماع فيها بهدف المصالحة بينهم؟

< بالفعل هناك أجواء مغايرة للأجواء التي كانت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وهذه الأجواء الجديدة ليس على مستوى العلاقة بين الفصائل الفلسطينية فقط، بل بظهور متغيّرات إقليمية ودولية كثيرة: فعلى الجانب الفلسطيني أدّت حرب غزّة وشلاّل الدم الذي تدفّق من أبناء كل الفصائل الى إدراك الجميع أنهم مستهدفون من جانب إسرائيل، سواء كانوا قادة أو كوادر، وأصبح من المعيب وسط هذا الكمّ الكبير من الشهداء والجرحى، أن تتناحر القوى السياسية ويستمر الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفّة الغربية وقطاع غزّة. ومن هنا ظهرت بعض البوادر الايجابية من خلال عدد من اللقاءات بين «فتح» و«حماس»، كما أن اللقاء الذي جمع بين وفد «فتح» في القاهرة برئاسة أحمد قريع ووفد «حماس» أزال بعض الجليد في العلاقة بين الطرفين، كما أن الاتفاق على تشكيل لجان حقوقية وفصائلية في الضفة الغربية وقطاع غزّة لإنهاء ملف الاعتقالات السياسية، جزء مهم من تهيئة الأجواء نحو المصالحة الوطنية. وأنا أعتقد أن إعلان «فتح» استعدادها لمناقشة قضية المعتقلين السياسيين في الضفّة الغربية نقطة إيجابية، لأنها كانت ترفض في البداية مبدأ وجود معتقلين سياسيين في الضفة الغربية. وهناك تغيّر جديد يتعلّق بالورقة المصرية الجديدة، لأن الذي أفشل المصالحة في اليمن، وكذلك عدم اكتمال المصالحة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، هو أن المبادرة اليمنيّة والورقة المصرية كانتا للتوقيع وليس للنقاش والحوار. والورقة المصرية التي كانت مطروحة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي كانت تقوم على تنظيم احتفالية للتوقيع عليها من دون تغيير حتى في الصياغات والعبارات التي وردت فيها. لكن الورقة الجديدة تدعو الى اجتماع لأمناء الفصائل لمدة ثلاثة أيام للنقاش والحوار وربما التعديل، وبعد ذلك يشكّل الأمناء العامون اللجان الست بعد أن أضيفت إليهم لجنة التوجيه العليا. وهنا نحن نتحدّث عن عملية مصالحة وحوار وطني وليس مجرّد التوقيع على ورقة أو وثيقة، لذلك كان هناك ارتياح كبير لدى جميع الفصائل بما فيها فصائل «حماس» و«فتح» تجاة الورقة المصرية. وفي ما يتعلّق بالمتغيّرات الإقليمية، فهناك الكثير الذي يمكن أن يصبّ في مصلحة الحوار الوطني الفلسطيني، منها الدعم السوري الواضح لإعادة الوحدة الفلسطينية، والتعهّد بذلك الى الادارة الأميركية خلال زيارة جون كير رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي لدمشق. وعلى المستوى الدولي هناك أجواء مختلفة بعد وصول الادارة الديمقراطية الجديدة الى البيت الأبيض، وانتهاج سياسة تقوم على الحوار بدلاً من الحروب الاستباقية والتهديد بإسقاط الأنظمة السياسية بالقوّة من الخارج، كما كانت تسعى الى ذلك إدارة الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش، وهذا الأمر له تأثير غير مباشر في قضية المصالحة، نظراً الى أن الأطراف الإقليمية التي كانت تشعر بالتهديد من الادارة الجمهورية السابقة كانت تعمد الى الضغط لتحقيق مصالح خاصة بها وذلك كان له تأثير سلبي غير مباشر في أوضاع المصالحة الفلسطينية. لكن أكثر المتغيّرات التي يجب أن تدفع بالمصالحة الحقيقية بين الفصائل الفلسطينية الى التحقّق، هو توجّه المجتمع الإسرائيلي الى التطرّف والتشدّد من خلال اختيار بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود رئيساً للحكومة الإسرائيلية المقبلة وشريكه في التطرّف أفيغدور ليبرمان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» وما يحملانه من أجندة سياسية متشدّدة ترفض الانسحاب الى حدود الخامس من حزيران (يونيو) ١٩٦٧، والاصرار على طرد العرب من الدولة العبرية، وعدم التنازل عن المستوطنات والقدس وغيرها. كما أن الفصائل الفلسطينية باتت مدركة أن نتنياهو يمكن أن يوجّه ضربة جديدة الى قطاع غزّة، باعتبار أن أجندته السياسية التي فاز بها في الانتخابات كانت تقوم على أن الجيش الإسرائيلي لم يذهب بعيداً لتحقيق الأهداف الإسرائيلية من الحرب على قطاع غزّة، وذلك بالقضاء على المقاومة و«حماس». وهنا استشعرت الفصائل ماهيّة التحدّيات الخطرة التي ستواجهها في الفترة المقبلة، خصوصاً مع رفض إسرائيل التهدئة طبقاً للمبادرة المصرية. لكل هذه الأسباب، أعتقد أن الأجواء باتت مناسبة لحوار وطني فلسطيني حقيقي يقوم على البحث عن عناصر مشتركة للعمل الفلسطيني الموحّد.

> لكن ما هي أبرز التحدّيات التي تعوق التوصّل الى هذه المصالحة رغم هذه العناصر الايجابية التي تحدّثت عنها؟

< رغم كل العناصر الايجابية التي تحدّثنا عنها، إلا أن المصالحة الفلسطينية غير مضمونة ويمكن أن تفشل في أي وقت، إذا لم يقم كل طرف بما عليه لإنجاح الحوار الوطني الفلسطيني. وأنا أعتقد أن إطلاق جميع المعتقلين السياسيين في الضفّة الغربية يمكن أن يكون نقطة إيجابية للغاية تمهّد للحوار الوطني الفلسطيني، لكن عدم القيام بهذه الخطوة سوف يعرقل التوصّل الى مصالحة حقيقية، ولا يمكن أن يجري حوار للمصالحة الوطنية من دون ذلك. وهناك معتقلون سياسيون ما زالوا يقبعون وراء أبواب سجون السلطة الفلسطينية، بالاضافة الى أن هناك عناصر في حركة «فتح» لا تريد المصالحة الوطنية الفلسطينية، وترى أن هذا الوضع الحالي الانقسامي يحقّق مصالحها ويوفّر لها أرضيّة سياسية، وهناك فريق يريد المصالحة، وبالتالي هناك صراع بين هذين التيّارين، فإذا نجح الفريق الذي يسعى الى المصالحة سيعزّز ذلك التوصّل الى توافق فلسطيني حول جميع الملفّات. لكن إذا تغلّب التيار الانقسامي على التيار الوحدوي في حركة «فتح»، عندها يمكن أن تنهار جهود المصالحة كما حدث في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وهناك تحدٍّ جديد ظهر في الأفق هو عدم موافقة إسرائيل على التهدئة، لأن الرؤية المصرية كانت تقوم على مجموعة من الخطوات المتسلسلة، تبدأ بالتهدئة وفتح المعابر ورفع الحصار وهذا يمهّد للحوار الوطني الفلسطيني، لكن رفض إسرائيل قبول التهدئة طبقاً للرؤية المصرية، واشتراطها إطلاق الجندي شاليط قبل التهدئة، يمثّل تحدّياً كبيراً للجهود المصرية التي تريد العبور من التهدئة والمصالحة الوطنية الفلسطينية الى إعادة الاعمار وإعادة الحياة الطبيعية لأبناء قطاع غزّة.

> هل تعتقد أن على «حماس» أن تتنازل في ما يتعلّق بشروطها الخاصة بالأسرى، حتى يمكن إنجاز صفقة الجندي شاليط والتهدئة بدلاً من العودة الى الحرب في ظلّ تولّي نتنياهو السلطة في إسرائيل؟

< قضية الأسرى تمثّل خطّاً أحمر لـ«حماس» ولجميع الفصائل التي تحتجز الجندي الأسير جلعاد شاليط، لأن كل العائلات الفلسطينية لديها أسرى في السجون الإسرائيلية، وكل عائلة تريد أن تطلق أبناءها وذويها من السجون الإسرائيلية، وتشترط هذه العائلات على «حماس» عدم التنازل، و«حماس» تخضع لضغوط هائلة من جانب هذه العائلات. والحقيقة أن الاحتلال هو الذي صنع هذه المشكلة، نظراً الى وجود ما يقرب من ١٢ ألف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وإذا كانت عائلة واحدة هي عائلة الجندي شاليط تمثّل كل هذا الضغط على الحكومة الإسرائيلية والأحزاب السياسية في إسرائيل، فهنا يجب أن نعلم مدى الضغوط التي تمثّلها العائلات الفلسطينية على مفاوضي «حماس» للافراج عن أكبر عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وبالاضافة الى الضغوط العائلية، يعدّ وجود أسير إسرائيلي لدى المقاومة الفلسطينية فرصة ذهبية لإطلاق أصحاب المحكوميّات العالية، والمؤبّدات المتكرّرة، والنساء والأطفال والنواب والوزراء من السجون الإسرائيلية، لأن أي مفاوضات لإطلاقهم من جانب السلطة الفلسطينية تكون إسرائيل وحدها التي تحدّد أسماء من تطلقهم، ولذلك يجب أن يقف الجميع وراء مطالب «حماس» التي تسعى فيها الى إطلاق ١٤٥٠ أسيراً فلسطينياً، بالاضافة الى النواب والوزراء والأطفال والنساء من السجون الإسرائيلية.

> إذا نجح نتنياهو في تشكيل الحكومة الإسرائيلية، هل تتوقّع أن تعود الحرب من جديد على قطاع غزّة؟

< هذه هي أجندته وطروحاته السياسية التي طرحها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لكن ليس بشكل مطلق، لأن الحرب على غزّة جعلت الكثيرين في العالم يعرفون لأول مرّة الوجه القبيح لإسرائيل التي استطاعت أن تخدع العالم طوال السنوات الستين الماضية بأنها واحة الديمقرطية في الشرق الأوسط، وأنها تطبّق أعلى المعايير الدولية في حقوق الإنسان، لكن حرب غزّة فضحتها، كما أن قادة إسرائيل يمكن أن يلاحقوا قانونياً، وكل هذا سوف يجعل الحكومة الإسرائيلية المقبلة ليست متحرّرة تماماً لتفعل ما تشاء بالشعب الفلسطيني. وهنا أنا أعتقد أن المصالحة الفلسطينية وإنهاء الخلافات العربية ـ العربية ووجود موقف فلسطيني وعربي موحّد، يمكن أن يجعل إسرائيل تفكّر أكثر من مرّة قبل أن تخوض حرباً جديدة ضد المقاومة في قطاع غزّة.

> ما هي رؤيتك لتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية والتي تعدّ من أبرز ملفّات المصالحة الوطنية؟

< هناك رؤية واتفاق بالفعل موجود على الطاولة الفلسطينية، وهو اتفاق القاهرة في آذار (مارس) ٢٠٠٥. وللأسف الشديد، فإن «فتح» وفصائل منظمة التحرير لا تريد تفعيل المنظمة، لأنه بعد مرور أربع سنوات لا يوجد أي جدّيّة نحو تفعيل المنظمة، والسبب واضح هو أن أي تفعيل أو تطوير للمنظّمة سوف يطيح رؤس الكثير من قادة المنظّمة، فالمجلس الوطني الفلسطيني لم يتم انتخابه منذ عشرين عاماً، وهناك الكثير من أعضائه انتقلوا الى رحمة الله، كما أن الكثير من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني لا يعرفون بعضهم بعضاً، ولم يجتمعوا حتى في اجتماعات ضيّقة تضم عشرين أو ثلاثين عضواً، لبحث كل القضايا الخطرة التي مرّت على الشعب الفلسطيني طوال العشرين عاماً الماضية، بالاضافة الى أن أعضاء اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية للمنظّمة لم يتمّ تجديد تعيينهما منذ فترة طويلة، وهو ما أدّى الى شيخوخة القرار الفلسطيني وعدم اللامبالاة وعدم الاهتمام بمتابعة الشأن الفلسطيني داخلياً وخارجياً. وكل هذا يستوجب تطوير منظمة التحرير الفلسطينية، وأن يكون الانتخاب هو أساس اختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية، وإذا تعذّر انتخاب عضو أو اثنين يكون تعيين هذا العضو بالتوافق، ولا يمكن أن تكون منظّمة التحرير معبّرة عن الشعب الفلسطيني وجميع فصائل المقاومة التي دافعت عن الشعب الفلسطيني خارج نطاق المنظّمة، فـ«حماس و«الجهاد» مع باقي فصائل المقاومة يجب أن يكونوا ضمن منظّمة التحرير الفلسطينية. وأنا أعتقد أن هذا الوضع غير الطبيعي، وهو ما دعا «حماس» الى أن تفكّر في تأسيس مرجعيّة للمقاومة الفلسطينية. وهناك جانب لا يمكن إغفاله عند الحديث عن تطوير منظّمة التحرير الفلسطينية، وهو البرنامج السياسي للمنظّمة الذي يجب أن يكون معبّراً عن طموحات الشعب الفلسطيني في التحرّر والاستقلال. ولم يعد مقبولاً الحديث فقط عن المعاهدات والاتفاقيات الاستسلامية، ويجب أن تحظى المقاومة بدعم وغطاء سياسيين فلسطيني.

> نحن على مشارف القمّة العربية في الدوحة، هل ترى بوادر نجاح لهذه القمّة؟

< في الواقع أن قطر علّمتنا خلال المرحلة القصيرة الماضية مدى قدرتها على اختراق المستحيلات في العالم العربي، من خلال قدرتها على إنهاء الخلافات في الملف اللبناني، ثم في جمع الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة رغم الخلافات الحادّة بين الطرفين، بالاضافة الى قدرة قطر على جمع دول عربية كثيرة وعقد القمّة العربية من أجل غزّة في الدوحة. ومن هنا أنا أعتقد أن قطر قادرة على اختراق ملف الخلافات العربية ـ العربية والتوجّه نحو مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك، ولعلّ ما حدث في قمّة الكويت والزيارات المكّوكية التي يقوم بها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى يمكن أن تمهّد الساحة العربية لمصالحة عربية تاريخية >

المصدر : المشاهد السياسي