الخميس، 26 أبريل 2012

المصالحة الفلسطينية.. اتفاق فتح وحماس على إدارة الانقسام بدلا من إنهائه

إبراهيم الدراوي
إبراهيم الدراوي
إبراهيم الدراوي 
إبراهيم الدراوي
ننشر المحاضر.. والتفاصيل الكاملة
المصالحة الفلسطينية.. اتفاق فتح وحماس على إدارة الانقسام بدلا من إنهائه • عدم تشكيل الحكومة الفلسطينيه برئاسة ابومازن قنبله موقوته
• استمرار الاعتقالات السياسية يهدد الاتفاق.. وغياب الإرادة السياسية "قنبلة" على وشك الانفجار

نجحت الأطراف الفلسطينية (لاسيما حركتى فتح وحماس) فى انجاز عدد من الملفات المهمة، التى تمهد للمصالحة الشاملة بين الفلسطينيين، وسط رعاية مصرية أشاد بها الجميع، لكن هناك سؤالا يطرح نفسه، مفاده: ما مستقبل المصالحة فى ضوء النتائج التى خلفها الانقسام الفلسطينى، المستمر منذ عام 2007، وهل تهدد العراقيل التى تواجه الأطراف الفلسطينية (سواء ما يتعلق بأزمة الثقة أو التباين فى المواقف والتوجهات) المصالحة المرتقبة؟
منذ التوقيع (بالأحرف الأولى) فى مايو الماضى، كان المحرك الأساسى الذى دفع حركتى فتح وحماس لإنجاز اتفاق المصالحة، مرتبطا برغبة الطرفين فى تجاوز ضغوط الشارع الفلسطينى، الذى طالب طرفى النزاع بإنهاء حالة الانقسام، اتساقا مع هوجة الثورات العربية (مصر.. تونس..ليبا 00اليمن.. سوريا)، لذا نجحت القاهرة فى الجمع بين الحركتين (بحضور الفصائل الفلسطينية، والمستقلين)، عبر اجتماعات ثنائية ومجمعة، بهدف التوصل إلى مخرج للأزمة.
غير أن الشواهد تشير إلى أن الأمور تسير عكس ما يشتهيه الشارع الفلسطينى والعربى، الذى ينظر للمصالحة باعتبارها طوق نجاة، حيث لا يزال الرئيس محمود عباس (أبو مازن) يتمسك بعدم تشكيل الحكومه ، مما يعتي الابقاء على الحكومتين (فى غزه، برئاسة إسماعيل هنيه.. وفى الضفة، بقيادة سلام فياض)، فهل هذا يعنى اتفاقا ضمنيا من الحركتين على إدارة الانقسام، وليس إنهائه في ظل الاتهامات المتبادله من الطرفين بعدم انجاز المصالحة.
حوار القاهرة فى كل مرة كان التوافق المعلن يصطدم بالعديد من المؤثرات الداخلية والخارجية، حدث ذلك منذ بدء الحوار الفلسطينى فى القاهرة (من 15– 17 مارس 2005)، بمشاركة اثنا عشر تنظيماً وفصيلاً فلسطينيا.. خلال تلك الجلسات تمسك الجميع بـ"تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينيّة، وتشكيل لجنة تتولّى إعادة بناء وهيكلة المنظمة، على أن تتكون اللجنة من رئيس المجلس الوطنى وأعضاء اللجنة التنفيذيّة للمنظمة، والأمناء العامّين للفصائل، وشخصيّات وطنيّة مستقلّة، والتمسّك بالثوابت الفلسطينيّة، والحقّ الكامل فى مقاومة الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، والتشديد على حق عودة اللاجئين، والالتزام باستمرار التهدئة، مقابل التزام إسرائيلى بوقف جميع أشكال العدوان على الأراضى الفلسطينية والإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين فى سجون الاحتلال، والتحذير من أن استمرار الاستيطان وبناء الجدار وتهويد القدس الشرقية، حتى لا يتسبب فى تفجير الغضب الفلسطينى".
تم الإجماع (أيضا) على أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة للتعامل بين جميع القوى دعماً للوحدة الوطنيّة، وعدم الاحتكام للسلاح فى الخلافات الداخليّة، واحترام حقوق المواطن الفلسطينى، والتأكيد على استكمال الحوار كونه ضرورة أساسيّة لصيانة الحقوق الفلسطينية، والاتفاق على استكمال الإصلاحات الشاملة فى كافة المجالات، ودعم العمليّة الديمقراطية، وإجراء الانتخابات المحليّة والتشريعيّة فى توقيتاتها المحدّدة (وفقاً لنظامٍ إنتخابيى يتم التوافق عليه)، وأن يقوم المجلس التشريعىّ باتخاذ الإجراءات لتعديل قانون الانتخابات (التشريعيّة) عبر اعتماد نظام المناصصة فى النظام المختلط، وتعديل قانون الانتخاب (للمجالس المحليّة) باعتماد نظام التمثيل النسبى....، وبعد توقيع الاتفاق دخلت حماس العملية السياسية، ثم إذا بها تكتسح الانتخابات التشريعية، ويتعمق الانقسام الفلسطينى.
وثيقة الوفاق وفى مايو 2006 وقع قادة فصائل (ممن يمضون عقوبة الأسر فى سجون الاحتلال) ما يعرف بـ"وثيقة الوفاق الوطنى".. كانت هناك جملة من العوامل التى انطلق منها الوثيقة لاسيما: "الشعور بالمسئولية الوطنية والتاريخية.. تعزيز الجبهة الفلسطينية الداخلية وصيانة وحماية الوحدة الوطنية فى الداخل والشتات.. مواجهة المشروع الإسرائيلى الهادف لنسف حلم إقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة.. مواجهة مخطط التهويد عبر الجدار العنصرى وتوسيع المستوطنات والاستيلاء على الأغوار وضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.. وضع إستراتيجية سياسية كفاحية تسهم فى إنجاح الحوار الوطنى، الذى تأسس بناءا على إعلان القاهرة".
طالبت وثيقة الوفاق الوطنى بـ:الإسراع فى إنجاز كل ما تم الاتفاق عليه فى حوار من بنود ومطالب، لاسيما تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وانضمام حركتى حماس والجهاد الإسلامى إليها، تعزيزا لقدرات المنظمة فى القيام بمسئولياتها.. تشكيل مجلس وطنى جديد يضمن تمثيل جميع القوى والفصائل والأحزاب الفلسطينية، على أساس التمثيل النسبى والحضور والفاعلية النضالية والسياسية والاجتماعية والجماهيرية.. حق الشعب الفلسطينى فى المقاومة بمختلف الوسائل، مع الاستمرار فى العمل السياسي والتفاوضي والدبلوماسي فى مواجهة الاحتلال.. توحيد الخطاب السياسى الفلسطينى على أساس برنامج الإجماع الوطنى، والشرعية العربية وقرارات الشرعية الدولية المنصفة للشعب الفلسطينى.. حماية وتعزيز السلطة الوطنية الفلسطينية بإعتبارها نواة الدولة المقبلة.
كما دعت الوثيقة لـ"التعاون الخلاق بين الرئاسة والحكومة والعمل المشترك وعقد الإجتماعات الدورية بينهما لتسوية أية خلافات بالحوار.. الإصلاح الشامل لمؤسسات السلطة.. التأكيد على أن إدارة المفاوضات تكون من صلاحيات المنظمة ورئيس السلطة، على قاعدة التمسك بالأهداف الوطنية، وأن يتم عرض أى اتفاق مصيرى على المجلس الوطنى الفلسطينى (المنتخب) للتصديق عليه أو إجراء استفتاء.. التمسك بتحرير الأسرى والمعتقلين واعتباره واجبا وطنيا مقدسا.. دعم ومساندة ورعاية اللاجئين والدفاع عن حقوقهم وحقهم فى العودة.. تشكيل جبهة مقاومة موحدة باسم "جبهة المقاومة الفلسطينية".. إجراء انتخابات –رئاسية.. تشريعية.. محلية وبلدية- حرة ونزيهة وديمقراطية، واحترام مبدأ التداول السلمى للسلطة.. رفض وإدانة الحصار الظالم على الشعب الفلسطينى.
وودعت الوثيقة الفرقاء الفلسطينيين إلى "نبذ مظاهر الفرقة والانقسام.. تجاوز كل ما يقود إلى الفتنة.. إدانة استخدام السلاح مهما كانت المبررات لفض النزاعات الداخلية.. إصلاح وتطوير المؤسسة الأمنية الفلسطينية بكل فروعها على أساس عصرى، حتى تتحمل مسئولياتها فى الدفاع عن الوطن والمواطنين، ودعوة المجلس التشريعي لمواصلة اصدار القوانين المنظمة لعمل هذه الأجهزة، ومنع منتسبى هذه الأجهزة من ممارسة العمل السياسى والحزبى.
اتفاق مكة ولأن وثيقة "الوفاق الوطنى" لم تحسم الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية، فقد قرر العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز دعوة حركتى فتح وحماس لجولة حوار استضافتها مدينة مكة المكرمة (من 6 إلى 8 فبراير 2007).. أكد خلالها طرفى النزاع التزامهما بـ"بتحريم الدم الفلسطينى، واتخاذ جميع الإجراءات والترتيبات، التى تحول دون إراقته.. التشديد على أن الوحدة الوطنية أساسا للصمود الوطنى والتصدى للاحتلال.. تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطينى.. اعتماد لغة الحوار حلا وحيدا لحل الخلافات السياسية.. الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق اتفاق تفصيلى معتمد بين الطرفين.. تفعيل وتطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، استناداً لتفاهمات القاهرة ودمشق.. تأكيد مبدأ الشراكة السياسية على أساس القوانين المعمول بها فى السلطة الوطنية الفلسطينية، وعلى قاعدة التعددية السياسية.
وبعدها بشهور وقعت فتح حماس (فى الرابع والعشرين من مارس 2008) اتفاق مصالحة فى العاصمة اليمنية (صنعاء)، وهو ما يعرف بـ"إعلان صنعاء"، حيث توافقا على أن تكون المبادرة اليمنية إطارا لاستئناف الحوار، من أجل وحدة الفلسطينيين أرضا وشعبا وسلطة واحد. ومع ذلك فشلت تلك الجولة، كما مُنيت المبادرة التى طرحها الرئيس السنغالى (عبد الله واد) للمصالحة بين الجانبين بنتيجة مماثلة.
الحوار الوطنى الشامل مجددا، عادت الكرة لملعب القاهرة حيث استضافت القاهرة ما يعرف بـ"الحوار الوطنى الفلسطينى الشامل"، الذى بدأ فى السادس والعشرين من فبراير ، تبعه جلسات حوار متعددة، وصفها المطلعون على سير الحوار بـ"الشفافة.. الصريحة" عند مناقشة جميع القضايا والملفات المتعلقة بالعمل الوطنى الفلسطينى.. كانت هناك رغبة فى إنهاء الانقسام السياسى والجغرافى والنفسى، ونجحت الفصائل والتنظيمات والقوى الفلسطينية فى تحديد المبادئ والأسس اللازمة لتفعيل الاتفاق على أكثر من محور.
وفيما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية، جرى التوافق على تفعيل وتطوير المنظمة، بحيث تضم جميع القوى والفصائل وفق أسس ديمقراطية.. تشكيل مجلس وطنى جديد، يضمن تمثيل القوى والفصائل والأحزاب الوطنية والإسلامية الفلسطينية بالانتخابات حيثما أمكن ووفقاً لمبدأ التمثيل النسبي وبالتوافق حيث يتعذر إجراء الانتخابات وفق آليات تضعها اللجنة المنبثقة عن اتفاق القاهرة فى مارس 2006.. ولاية المجلس الوطني (4 سنوات) بحيث تتزامن مع انتخابات المجلس التشريعى.. تشكل اللجنة المكلفة لتطوير منظمة التحرير الفلسطينية لإعداد قانون الانتخابات للمجلس الوطنى تمهيدا لاعتماده، كما تقوم اللجنة بتحديد العلاقة بين المؤسسات والهياكل والمهام لكل من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.. التأكيد على صلاحيات اللجنة التنفيذية ومؤسسات.
وفى الشأن الانتخابى تم الاتفاق على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطنى الفلسطينى بالتزامن فى الثامن والعشرين من يونيو 2010، بحيث تجرى انتخابات المجلس الوطنى الفلسطيني على أساس التمثيل النسبى فى الداخل والشتات، بينما تجرى الانتخابات التشريعية على أساس النظام المختلط (75% بنظام القوائم..25% بنظام الدوائر الفردية.. 2% نسبة الحسم)، بحيث يتم تقسيم فلسطين (بما فيها القدس) إلى 16 دائرة انتخابية (11 دائرة فى الضفة الغربية.. 5 دوائر فى قطاع غزة)، على أن تتم الانتخابات تحت إشراف عربى- دولى، وفى جو من الحرية والنزاهة والشفافية.
وفيما يتعلق بـ"أجهزة الأمن"، جرى التوافق على "صياغة القوانين الخاصة بالأجهزة الأمنية حسب المهام المنوطة بها وفقاً للمصالح الوطنية الفلسطينية.. مرجعية الأجهزة الأمنية طبقاً لقانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية وأن تكون تلك الأجهزة مهنية وغير فصائلية.. تحديد معايير وأسس إعادة بناء وهيكلة وتوحيد الأجهزة الأمنية.. جميع الأجهزة الأمنية تخضع للمساءلة والمحاسبة أمام المجلس التشريعي.. كل ما لدى الأجهزة الأمنية من معلومات وأسرار تخضع لمفهوم وقواعد السرية المعمول بها فى اللوائح والقوانين، وأى مخالفة لها توقع صاحبها تحت طائلة القانون.. أى معلومات أو تخابر أو إعطاء معلومات للعدو تمس الوطن والمواطن الفلسطيني والمقاومة تعتبر خيانة عظمى يعاقب عليها القانون.. تحريم الاعتقال السياسى.. احترام الأجهزة الأمنية لحق المقاومة.. العلاقة الخارجية للشئون الأمنية تخضع لقرار سياسى وتنفذ التعليمات السياسية.. إبعاد المؤسسة الأمنية عن التجاذبات والخلافات السياسية بين القوى والفصائل.
وأقر المجتمعون فى القاهرة ما يعرف بـ"المصالحات الوطنية"، بحيث ترسخ لـ"نشر ثقافة التسامح والمحبة والمصالحة والشراكة السياسية والعيش المشترك.. حل الانتهاكات الناجمة عن الانقسام بالطرق الشرعية والقانونية.. وضع برنامج لتعويض المتضررين ماديا ومعنويا.. وضع الأسس والآليات الكفيلة بمنع تكرار الأحداث المؤسفة.. تأمين الموازنات اللازمة لدعم إنجاح مهمة اللجنة من خلال صندوق وطني يمول عربيا.. الإشراف على المصالحة الاجتماعية.
اتفقت الأطراف (أيضا) على تشكيل لجنة مشتركة لتنفيذ اتفاقية الوفاق الوطنى، يتم التوافق على أعضائها ويصدر الرئيس محمود عباس مرسوما رئاسيا بتشكيلها، ويعتبر الرئيس "أبو مازن" هو مرجعية هذه اللجنة (بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، رئيس السلطة)، بحيث تكون اللجنة إطارا تنسيقياً ليست لديها أية التزامات أو استحقاقات سياسية وتبدأ عملها فور توقيع اتفاقية الوفاق الوطني وينتهي عملها في أعقاب إجراء الانتخابات الرئاسية التشريعية والمجلس الوطني وتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، وذلك من خلال " تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات.. الإشراف على معالجة قضايا المصالحة الداخلية.. متابعة عمليات إعادة إعمار قطاع غزة.. توحيد مؤسسات السلطة الوطنية بالضفة والقطاع.
أما قضية "المعتقلون السياسيون" فكانت حاضرة بقوة فى عملية التوافق، لاسيما ضرورة حلها عبر آليات محددة "تقوم كل من حركتي فتح وحماس بتحديد قوائم المعتقلين طبقا لآخر موقف، ويتم تسليم مصر ومؤسسة حقوقية (يتفق عليها) نسخة منها بعد التحقق منها (تثبيت الأعداد والأسماء) قبل التوقيع على اتفاقية الوفاق الوطنى.. يقوم كل طرف بالإفراج عن المعتقلين الموجودين لديه من كافة الفصائل فور توقيع الاتفاقية.. يقوم كل طرف بتسليم مصر قائمة تتضمن أسماء أولئك المعتقلين المتعذر الإفراج عنهم وحيثيات عدم الإفراج ورفع تقارير بالموقف لقيادتى فتح وحماس.. بعد توقيع الاتفاقية تستمر الجهود المبذولة بمشاركة مصرية لإغلاق ملف الاعتقالات نهائيا".
المصالحة الوطنية على كل الأحوال، تبقى كل النقاط التى تم الاتفاق عليها خلال حوار المصالحة الذى استضافته القاهرة فى الثانى والعشرين من ديسمبر الماضى، تبقى عرضه للفشل فى ضوء الجولات التى شهدها مشوار المصالحة ومحاولات إنهاء الانقسام الداخلى بين حركتى حماس وفتح، خاصة إذا لم يكن هناك إرادة سياسية قوية من كل الفرقاء الفلسطينيين لتشكيل الحكومة الانتقالية، ووقف الاعتقالات السياسية التى لا تزال مستمرة رغم التوافق على تحريمها.. وتجريمها!
إبراهيم الدراوى
مديرمركز الدراسات الفلسطينيه بالقاهرة